العرب اليوم

فرج: الأنظمة التعليمية لا تحصّن الشباب من الانزلاق في التطرف والإلحاد

شهر محرم الحرام للحديث عن مآثر ابن عم الإمام الحسين وسفيره إلى الكوفة مسلم بن عقيل وما تعرض له نتيجة تخاذل أهل الكوفة آنذاك، ونقضهم للعهد وتعاونهم مع والي الكوفة عبيد الله بن زياد.
وفي حسينية الإمام الحسين في السالمية، قال الشيخ د.مرتضى فرج إن الآيات القرانية تؤكد أن النفوس ترجع إلى طبيعة واحدة، وانها تدفقت من منبع واحد وإن تفاوتت في التفاصيل والفروق الفردية، لذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)، يعني أن الباري عز وجل خلقكم من طبيعة واحدة، وخلق من تلك الطبيعة نفسها أي جنسها الآخر، ليبث منها رجالا كثيرا ونساء، ويكثر التناسل والتكاثر في الأرض، مضيفا أن إدراك حقيقة أن البشرية قد خلقت من نفس واحدة، يفكك النزعة العنصرية المتعجرفة عند بعض مستكبري بني البشر، ولم تتحرر منها البشرية في الباطن، لذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يذيب كل الفوارق المصطنعة ليؤكد أن كل هؤلاء بتنوعاتهم المختلفة في اللون، والجنس، يعودون وينحدرون من منبع واحد ومن نفس واحدة.

وأوضح فرج أن علاقة الإنسان بالإيمان تشبه علاقة البدن بالصحة من المرض، فبعض الأجسام لها قابلية الإصابة بمرض معين، لنقل مرض السرطان مثلا أعاننا الله وإياكم، وهذه القابلية وراثية، وبعض الأجسام ليس لها مثل هذه القابلية، وما يرجح احتمال الإصابة من عدمها الظروف التي يمر بها جسمه، كالأكل والشرب الذي يتناوله، والهواء الذي يستنشقه، وكلها أفعال إرادية أو مقدمات لهذه الأفعال، هكذا الأمر في الإيمان والاعتقادات، بعض الناس اعتقاداتهم الدينية عميقة وراسخة، إما بسبب طهارة الروح بالأصل، أو بسبب التنشئة الاجتماعية النقية أو كليهما، وبعض الناس اعتقاداتهم الدينية تبدو للوهلة الأولى مستقرة، لكن سرعان ما يتبين أنها لم تكن قائمة على أرض صلبة، فيظهر في لحظة ما التذبذب والاضطراب في الاعتقاد والسلوك، وهذا إما بسبب تعقيدات نفسية وراثية، أو بسبب الاهتمام بالجسد وإهمال تهذيب الروح والعقل والقلب، أو كليهما، ونحن ما دمنا على قيد الحياة لا نستطيع أن نعرف أن إيماننا هل هو مستقر أم مستودع، ولذا الإنسان الذي يريد أن يكون صادقا مع نفسه هو مضطر لأن يعيش حالة ما بين الخوف والرجاء، لأنه لا يعرف ماذا سيحدث له في المستقبل من تبدل وتغير في الاعتقادات والإيمان، متسائلا: «هل يوجد مؤشر أنا من هذه الفئة أو تلك؟، نعم هنا رواية يرويها المفضل بن عمر الجعفي عن الإمام جعفر الصادق: ان الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصره، ولم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم، فقلت له بما يعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك، قال من كان فعله لقوله موافقا، فاثبت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع».
وتابع: في الفقرة الأولى من كلام الإمام يمثل حال الإنسان الضائع، والذي نعبر عنه في التعبير المحلي «ما يعرف راسه من كرياسه»، وفي الفقرة الثانية يضع الإمام المعيار، فهناك فجوة بين الادعاءات والسلوك، بقدر ما تتقلص هذه الفجوة وتضيق، بقدر ما يرتفع أن يكون الإنسان إيمانه مستقرا، وبقدر ما تتباعد هذه الفجوة وتتسع بحيث هو يرفع شعارات ولا يجسدها في سلوكه وحياته يرتفع احتمال انه مستودع، من هؤلاء المستودعين أولئك الذين يعبدون الله على حرف، يعني هؤلاء يعبدون الله سبحانه وتعالى على تقدير واحد، على تقدير الأمن والشبع والسلامة والرخاء والصحة والغنى، دون أن يوطنوا أنفسهم على المصائب والبلاءات، مضيفا أن الدنيا ليست دائمة على تقدير واحد، ولذا هذا الإنسان بمجرد أن تصيبه فتنة أو بلاء ينفعل، فيعود يراجع حساباته واعتقاداته وينقلب على ما كان عليه.
وقال إن الإنسان مع الانفجار المعلوماتي أصبحنا في غاية القلق على الشباب، من ناحية أنا مرتاح ومطمئن بأن هذه الحالة توجد نوعا من تحريك الأذهان، لإعادة النظر في الأشياء والأفكار والاعتقادات، ولكن متى أكون مرتاحا تماما؟، عندما يكون الشاب محصنا في المراحل التعليمية المختلفة، في التنشئة الاجتماعية على العقل الناقد في التفكير، وعلى القدرة في تقييم الأدلة والقرائن، وتمييز الأكاذيب والأباطيل عن الأخبار الصادقة والحقائق، ولكن مع الأسف كلكم تعلمون أن الأنظمة التعليمية في المنطقة لا تؤهل الشباب ولا تعطيهم حصانة حتى يقيموا الأفكار والاعتقادات، ولذا سرعان ما يتزلزلون ويسقطون في فخ الإلحاد وما شابه، مشيرا إلى أن الأجواء الإقليمية المضطربة في المنطقة، كل هذه الأمور تساهم في ضياع الهوية وتحير الشاب، ومع الأسف وسائل التواصل استدرجت الناس في كشف خصوصياتهم وبواطنهم على الملء، مما سيظهر آثاره الخطيرة على كل المستويات ومجمل العلاقات الإنسانية بين البشر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: