هكذا سيضرب «دويتشه بنك» الاقتصاد العالمي من جديد

أعد طارق الرفاعي الرئيس التنفيذي لمركز كورم، وهو مركز كويتي متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأزمات المالية، دراسة عن أزمة «دويتشه بنك» وكيف هز من جديد النظام المصرفي العالمي بسبب فضائحه في التلاعب بفائدة الليبور والمشتقات وغرامات التعامل مع ايران ووجود اتهامات بتمويل الإرهاب وغسيل أموال. ويرصد الرفاعي ان البنك يحتفظ بواحدة من اكبر محافظ المشتقات المالية في العالم، حيث يتبين وفقا للتقرير السنوي لعام 2015 أن إجمالي الانكشاف للمشتقات المالية قد بلغ 41.9 تريليون يورو. اما إجمالي الأصول في نفس التقرير فقد بلغ 1.6 تريليون يورو. ويرى ان نقص الثقة في البنك على المدى القصير يمكن أن يؤدي إلى خسارة المليارات ان لم يكن التريليونات من الدولارات بسبب خسائر المشتقات للبنك. وأمام هذا الوضع المزري، يقول الرفاعي إن البنوك الكويتية أصبحت اكثر أمانا من البنوك الأوروبية، فلا يوجد لديها تشابك وترابط مثل الأوروبية ولا مشتقات ونسبة قروضها المتعثرة قليلة وتغطية عالية، وايضا وجود بنك الكويت المركزي اكثر انتظاما ورقابة، إضافة إلى استعداد الحكومة الكويتية لمساعدتها ودعمها عند الحاجة عكس ما يجري لدى الحكومات الأوروبية.
وهنا التفاصيل:
أدى إعلان قطر في مايو 2014 الى لفت الانتباه والأنظار إلى بنك دويتشه، حيث كشف الإعلان عن نية قطر استثمار مبلغ 1.75 مليار يورو في البنك. لقد اثار هذا الإعلان لدينا في مركز كورم ـ مركز كويتي متخصص في البحوث والأزمات المالية والأمور المالية الأخرى ـ الرغبة في البحث عن الأسباب الكامنة وراء اهتمام قطر بهذا البنك وعن سبب اعتقادها بأن هذا الاستثمار سيكون استثمارا جيدا. لقد كانت النتائج التي توصل اليها المركز من خلال البحث صادمة ومفاجئة. ان بنك دويتشه ليس فقط ضعيفا جدا من الناحية المالية ولكنه كان ايضا في وضع خطر جدا ولديه الأسباب الكثيرة المحتملة للتسبب في أزمة مالية عالمية جديدة. قمنا على ضوء هذه النتائج التي تم التوصل اليها بإصدار تحذير بخصوص بنك دويتشه في مايو 2014. يؤسفنا القول في يومنا هذا بأن مخاوفنا وتوقعاتنا بخصوص هذا الأمر قد بدأت تتحقق فعلا وأن الأسواق المالية ومنظمي القطاع المصرفي قد بدأوا فعلا وأخيرا في الاهتمام بهذا الأمر والالتفات اليه.
الحاجة لخطة إنقاذ
من المعروف أن سعر سهم بنك دويتشه قد شهد هبوطا تدريجيا خلال العشر سنوات الماضية، حيث وصل سعر تداول السهم عام 2006 إلى أعلى مستوى له 146 دولارا أميركيا للسهم الواحد وذلك قبل هبوطه تدريجيا وسنويا ليصل إلى 13 دولارا أميركيا للسهم الواحد حاليا وهذا يعني خسارة بمقدار 90% من قيمته. وفي هذه السنة بالذات هبط سعر السهم بما يزيد على 50% (انظر الرسم المرفق).هناك اشارة واضحة تدل على أن السوق يعتقد اعتقادا راسخا بأن هناك خللا ما بخصوص هذا البنك. لقد اضطر البنك منذ الأزمة المالية عام 2008 الى زيادة رأسماله عدة مرات، حيث اضطر في كل مرة يعود فيها إلى السوق إلى رفع رأسماله نظرا لتراجع وضعه المالي. ان المشكلة التي يعاني منها بنك دويتشه قد نشأت نتيجة لسلسلة طويلة من القرارات الخاطئة والاستثمارات الرديئة وعمليات الغش. نشرت جريدة فاينانشيال تايمز في مايو هذا العام تقريرا صادرا عن الجهة المنظمة للقطاع المصرفي في المملكة المتحدة يفيد بأن بنك دويتشه لديه مشاكل خطيرة ومستمرة بخصوص عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد قام السيد جون كريان – الرئيس التنفيذي لبنك دويتشه – الأسبوع الماضي ـ بتوجيه خطاب الى موظفي البنك مطمئنا اياهم بخصوص الوضع المالي الجيد للبنك. وقد ذكر في الخطاب قائلا: «الثقة هي الركيزة الأساسية للعمل المصرفي».
قضايا مرفوعة
وعلى أي حال فقد بلغ عدد القضايا القانونية المرفوعة ضد بنك دويتشه 7800 قضية حسب ما ورد في جريدة وول ستريت جورنال. اما القضية القانونية التي تصدرت العناوين الرئيسية مؤخرا والتي يعتقد البعض بأنها السبب الرئيسي وراء المشاكل التي يعاني منها البنك حاليا فتتمثل في الغرامات البالغة قيمتها 14 مليار دولار أميركي والمفروضة من قبل وزارة العدل الأميركية على البنك بسبب دوره في التلاعب الوهمي بسوق العقار السكني الأميركي خلال الأزمة المالية عام 2008. أظهرت الصناعة المصرفية التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الثقة بأن بنك دويتشه قد قام مرارا وتكرارا بخرق هذه الثقة. تتضمن بعض الغرامات الاخرى التي قام البنك بدفعها مبلغ 2.5 مليار دولار أميركي كغرامة عن دوره في فضيحة التلاعب بأسعار فائدة الليبور بالاشتراك مع البنوك العالمية الأخرى، ومبلغ 258 مليون دولار أميركي كغرامة في الولايات المتحدة الأميركية وذلك بسبب المتاجرة بشكل غير قانوني مع دول محظور التعامل معها مثل إيران.اما مبلغ 14 مليار دولار أميركي الذي تم فرضه مؤخرا كغرامة على البنك فقد تسبب في حدوث موجات صادمة في الأسواق المالية لان معدلات رأسمال البنك ستتراجع بشكل ملحوظ الى حد ان البنك سيحتاج الى زيادة رأسماله مرة أخرى. تتوقع الوسائل الإعلامية المالية بأن تقوم الحكومة الألمانية بالتفاوض مع الحكومة الأميركية لتخفيض هذه الغرامة، ولكن إلى حد الآن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بهذا الخصوص. من الواضح على اي حال أن الضعف الحقيقي الذي يعاني منه بنك دويتشه قد بدأ في الظهور إلى العلن حاليا. يحتاج البنك الآن الى خطة انقاذ مشابهة لخطة الانقاذ التي تم تقديمها الى البنوك الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية خلال الأزمة المالية الأخيرة. وعلى أي حال فإن هذا الحل ليس بسيطا كما يبدو حيث إن الأمر سيزداد تعقيدا كلما اطلعنا على المركز المالي الحقيقي للبنك.
مشاكل أكبر من ألمانيا
ان المشكلة الكبرى التي يواجهها البنك ليست الغرامات او الدعاوى القانونية القائمة او ترتيب رأس المال او تهدئة المستثمرين، بل تتمثل في حجم المشتقات المالية التي يحتفظ بها البنك. يحتفظ البنك بواحدة من اكبر محافظ المشتقات المالية في العالم. يتبين وفقا للتقرير السنوي لعام 2015 بأن إجمالي الانكشاف للمشتقات المالية قد بلغ 41.9 تريليون يورو. اما إجمالي الأصول في نفس التقرير فقد بلغ 1.6 تريليون يورو. إن نقص الثقة في البنك على المدى القصير يمكن أن يؤدي الى خسارة المليارات ان لم يكن التريليونات من الدولارات بسبب خسائر المشتقات للبنك. (انظر الرسم البياني للحجم المشتقات).وحتى إن وافقت الحكومة الألمانية على انقاذ البنك فقد لا تكون قادرة على ذلك بسبب الحجم الكبير لتلك الخسائر. اما السبب الآخر فيتمثل في أن الاتحاد الأوروبي قد وضع قوانين مصرفية جديدة تحظر على الحكومة القيام بأي عمليات انقاذ في المشاكل المالية. حاولت ايطاليا انقاذ بنوكها في اغسطس الماضي ولكن الاتحاد الأوروبي وألمانيا تدخلوا ورفضوا هذا الأمر. يجب أن يتقيدوا بالقوانين المصرفية الجديدة التي تنص على أن اي بنك يتعرض للمشاكل يجب عليه محاولة انقاذ نفسه أولا باستخدام اصوله وإلغاء مديونياته واستخدام اموال مودعيه أولا قبل أي تدخلات حكومية.إذا رغبتم في معرفة ما سيئول اليه بنك دويتشه فلا تنظروا الى أبعد من قبرص على سبيل المثال. لقد قام الاتحاد الأوروبي بوضع خطة انقاذ مصرفية جديدة بعد تطبيق نموذج انقاذ قبرص عام 2013. وبدلا من الحصول على الانقاذ من الحكومة قامت البنوك القبرصية باستخدام رؤوس اموالها والتخلص من السندات واستخدام أموال مودعيها لانقاذ نفسها. ما زال المودعون في قبرص يعانون حتى يومنا هذا ولم يتمكنوا من استعادة ودائعهم.وبغض النظر عن كيفية حصول بنك دويتشه على الانقاذ فإنه من المؤكد أن المساهمين وحاملي السندات والمودعين سيتعرضون لخسائر ملحوظة.
أوروبا معرضة للخطر
بالرغم من أن جميع الأخبار في يومنا هذا تتحدث عن أزمة بنك دويتشه إلا أن النظام المصرفي الأوروبي بأكمله معرض للخطر حقيقة. ان النظام المصرفي الأوروبي لم يتعاف بعد من القروض المعدومة الناتجة من الأزمة الأخيرة. لقد أظهرت أزمة بنك دويتشه ماهية التشابك والترابط بين هذه البنوك، حيث انها جميعا معرضة لمخاطر المديونيات المعدومة والمشتقات الخاصة ببعضها البعض بحيث أصبحت هذه الأمور معقدة إلى درجة أن منظمي القطاع المصرفي يعون جيدا مدى خطورة هذه الأمور.حاولت ايطاليا مؤخرا انقاذ بنوكها ولكنها فشلت. وإذا قامت ألمانيا بمخالفة القوانين وانقاذ بنك دويتشه فإن ايطاليا ستتبعها فورا لتنقذ بنوكها ومن ثم ستتبعها اسبانيا والبرتغال وجميع دول الاتحاد الأوروبي. ان هذه الدول ستتدافع واحدة تلو الأخرى لأن خطة انقاذ بنك دويتشه ستلعب كمؤشر على أن النظام المصرفي الأوروبي بأكمله على وشك الانهيار. كم سيكون المبلغ المطلوب لتغطية عملية الانقاذ هذه؟ ان هذا الأمر لا يمكن تخمينه، حيث إن مئات التريليونات من اليورو في المشتقات ستكون معرضة للخسارة وهي في حقيقة الأمر تشكل اضعافا واضعاف إجمالي الناتج المحلي الأوروبي بأكمله.
البنوك الكويتية أفضل من الأوروبية

خلصت الدراسة الى اعتبار ان البنوك الكويتية تعتبر أكثر أمانا بكثير من البنوك الأوروبية، حيث انها لا تتقاسم نفس درجة الترابط والتشابك التي تربط بين البنوك الأوروبية ولا توجد هناك مشتقات في موازناتها العمومية تفوق في حجمها إجمالي الناتج المحلي للبلاد وأن نسبتها من الديون المتعثرة اقل بكثير من البنوك الأوروبية. إضافة إلى ذلك، فإن بنك الكويت المركزي قد اثبت أنه الأكثر أمانا وانتظاما والأفضل وضعا. وأكد أن جميع البنوك الكويتية قد تفادت موضوع التعامل بالمشتقات ولديها رؤوس أموالها التي تجعلها في وضع قوي. لقد أخذت وكالات التصنيف العالمية هذه الأمور في الاعتبار وعلقت على المركز القوي للبنوك الكويتية وعلى أي حال فإن من أحد العوامل المهمة الأخرى التي جعلت البنوك الكويتية اكثر أمانا هو حقيقة أن الحكومة الكويتية مستعدة وجاهزة في أي وقت لتقديم الدعم والمساندة عند الحاجة الى البنوك الكويتية وهذا أمر لا تستطيع الحكومات الأوروبية القيام به.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: