الكاتب - ياسر عبد العزيز

الخروج من أزمة «تيران» و«صنافير»: بقلم ياسر عبد العزيز

لم تكن العلاقات المصرية- السعودية أفضل مما كانت عليه حين غادر الملك سلمان القاهرة، الأسبوع الماضي، عقب زيارة تاريخية استمرت خمسة أيام، وشهدت توقيع اتفاقيات في مجالات عدة، بشكل عمّق التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وفتح الباب أمام تطوير التعاون وتعزيزه.
لقد وقع الجانبان 17 اتفاقية وبروتوكولاً، شملت مجالات الاستثمار، والزراعة، والصحة، والتعليم، والصناعة، والطاقة، وغيرها، كما تعهدت السعودية بالمساهمة في سد حاجات البلاد النفطية لمدة خمسة أعوام، عبر اتفاق بلغت قيمته نحو 20 مليار دولار.
وعلى الصعيد الاستراتيجي، اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في ملفات اليمن، وسورية، وفلسطين، والعراق، وليبيا، كما أكد العاهل السعودي أهمية بحث موضوع إنشاء القوة العربية المشتركة، قبل أن يرسخ الجانبان موقفهما الدائم ضد الإرهاب.
أهم ما حدث في تلك الزيارة كان اطمئنان السعودية على مساندة مصر لها في صراعها الكبير ضد إيران من جانب، واطمئنان القاهرة على استمرار المساندة السعودية لها في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الخطيرة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، من جانب آخر.
لكن ثمة ما ألقى بظلال وشكوك على تلك الزيارة التاريخية؛ إذ كان ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين أحد أهدافها، وهو الأمر الذي أدى إلى إعلان القاهرة أن جزيرتي «تيران»، و»صنافير» الواقعتين تحت سيطرتها عائدتان إلى السعودية، بوصفها صاحبة السيادة عليهما.
وقع الخبر وقوع الصاعقة على قطاعات عديدة من الجمهور المصري؛ فالجزيرتان في عهدة مصر منذ عقود طويلة، وهما مقيدتان ضمن التراب الوطني المصري في كل الخرائط والقرارات الإدارية الصادرة عن السلطات المختلفة.
وعلى عكس الأجواء الإيجابية والطيبة التي كان من المفترض أن تسود مصر عقب زيارة الملك السعودي، دخل المصريون في جدل ساخن، وتوترت الأعصاب، واندلعت التظاهرات، احتجاجاً على ما اعتبره البعض «تفريطاً» من جانب الرئيس في التراب الوطني.
لقد كان خبر تخلي مصر عن الجزيرتين للسعودية صادماً للجمهور ووسائل الإعلام، لأنه جاء مباغتاً من دون تمهيد، إذ لم تعط الحكومة الجمهور وقتاً ليتدارس وضع الجزيرتين، والأسباب التي دعت إلى فتح هذا الملف في ذلك التوقيت بالذات.
التقط «الإخوان» ومعارضو النظام واقعة الجزيرتين، وراحوا ينسجون حولها الحكايات. كانت معظم الإفادات الواردة في ذلك الصدد تتعلق باتهامات مباشرة بـ«الخيانة»، و»بيع التراب الوطني»، من أجل «أموال السعودية»، خصوصاً على وسائط التواصل الاجتماعي.
لقد تزعزعت شعبية النظام أكثر مما حدث على مدى العامين الماضيين كاملين؛ إذ ظهر بين مؤيدي السيسي و»30 يونيو» من لم يقبلوا بفكرة التخلي السريع المباغت عن الجزيرتين الواقعتين تحت الحماية والإدارة المصرية، واللتين يعتبرهما فصيل من خبراء القانون والعلاقات الدولية والجغرافيا مصريتين.
تلقت الحكومة الصدمة الكبيرة، وابتلعت الانتقادات والإهانات، وصبرت حتى غادر العاهل السعودي البلاد، بعد الزيارة الناجحة من كل الأوجه باستثناء هذا الوجه. الرئيس عبّر عن هول ما اعترى الإدارة من صدمة بالقول: «لقد تلقيت الضربة في صدري».
أراد السيسي أن يوضح مواقفه للجمهور، الذي بدا غاضباً، خصوصاً بين قطاعات الشباب، الذين لم يتجاوبوا مع حملات إعلامية استهدفت إقناع المصريين بأن الجزيرتين سعوديتان، عبر تقديم وثائق وأدلة قيل إنها تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر لم تفرط في ترابها.
دعا الرئيس إلى اجتماع أسماه «لقاء الأسرة المصرية»، وهو اللقاء الذي جمع فيه طيف من الناشطين، والسياسيين، والمسؤولين السياديين، والصحافيين، وبعض فئات المجتمع، وراح يتحدث لساعتين في موضوعات شتى، كان موضوع الجزيرتين على رأسها.
أجلس الرئيس رئيس الوزراء ووزير الخارجية إلى يمينه، ووزير الدفاع، ومدير الاستخبارات إلى يساره، كما دعا أستاذ القانون الدولي، وأحد الأركان القانونية لنظام مبارك، الدكتور مفيد شهاب، إلى الاجتماع، الذي حرص خلاله على توصيل رسالة واحدة قوية قاطعة: «لم أتخذ القرار وحدي، ولكنه قرار الدولة، والجيش والخارجية والاستخبارات والحكومة… ومفيد شهاب جميعا يوافقونني».
طلب الرئيس إلى الجمهور أيضاً أن يثق به، وأن يتأكد أنه، وتلك الأجهزة والمؤسسات كلها لا يمكن أن ترتكب الخيانة بحق التراب الوطني، لكنه طلب أيضاً «عدم الحديث في الموضوع مجدداً، حتى لا تتضرر المصالح المصرية».
بالطبع لم يسكت الجمهور، إذ استمر الناس يتحدثون ويبحثون وينقبون في الخرائط والصور، كما استمرت المنابر المعارضة في استثمار الحدث، وشن هجمات غير مسبوقة على السيسي، وكان «هاشتاغ جمعة الأرض» هو الأكثر نشاطاً على «تويتر»، أول من أمس الجمعة، وهو اليوم الذي شهد تظاهرات احتجاجية ضمت الآلاف، وفق وسائل إعلام مصرية وأجنبية.
فاز السيسي بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، وعزز الاستثمارات والدعم الذي تحصل عليه مصر من هذا البلد المهم الغني، ولكنه في المقابل خسر جزءاً من شعبيته، وافتقد التفاهم الذي قام بينه وبين قطاعات ناشطة من الجمهور، كانت منحته هدوءاً ومساندة للعمل خلال ولايته الأولى التي بقي فيها عامان.
تضررت شعبية السيسي، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى بدء سلسلة من الاضطرابات الداخلية، التي ستقوض الاستقرار الذي عمل من أجل تحقيقه.
إن حل تلك القضية ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً. على الرئيس أن يعيد الأمور إلى نصابها، بمعنى أن يترك «البرلمان» يقرر من دون أي ضغوط أحقية السعودية في الجزيرتين، وإن فسر «البرلمانيون» والخبراء الدستوريون الدستور بما يفيد ضرورة إجراء استفتاء شعبي على مثل هذا القرار، فليكن.
إذا وافق «البرلمان» بإرادته الحرة على منح الجزيرتين للسعودية، أو دعا إلى استفتاء شعبي، جاءت نتيجته إيجابية لمصلحة قرار الرئيس، فإن السيسي لن يخسر شيئاً، والسعوديون سيكونون في موقف أفضل.
وإن رفض «البرلمان»، أو تمت الدعوة إلى استفتاء، ورفض الجمهور التخلي عن الجزيرتين، فسيكون على السيسي العمل لرأب الصدع مع السعودية، وتقليل الآثار السلبية لمثل هذا القرار، وهو أمر أهون بكثير من الاصطدام مع القطاعات الغاضبة بين المصريين والدخول في مرحلة اضطرابات وقلاقل.

* كاتب مصري

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: