عام على رحيل فارس الأمة العربية الملك عبد الله

كان رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز في أواخر يناير من العام الماضي فاجعة ألمت بالأمة العربية وبالعالم الاسلامى، فقد كان الملك عبد الله فارساً عمل لخدمة شعبه وأمتيه العربية والإسلامية بإخلاص وتجرد، وترك بصمات خالدة في كثير من المجالات.
تمتع الراحل الملك عبدالله بصفات وخصائص فريدة أهلته لدوره الريادى، فقد كان عدوا للتزمّت، ليس مشتطا في معتقداته السياسية، ولا في أفكاره الدينيّة، إذ لو لم يؤمن بالعلم وبالعلماء، ويفتح لهم قلبه وحدود بلاده، لما رأى العالم السعودية بما فيها من تطوّر.
‎وقد عاش الملك عبد الله ونشأ في عصر يفرض كلّ ما فيه على الإنسان الصبر، والاحتمال. وكان للانضباط الدينيّ، والنفسيّ، والأخلاقيّ دوره في تكوين شخصيته.

وقد كوّنت كل هذه العوامل رؤية الملك عبد الله الثاقبة التي تفرض قناعاتها بالمنطق والعقل.
‎كان الملك عبدالله يتمتع بصفات رائعة في القيادة، والحكمة، والتبصّر، فهو إنسان متحرّر من الجمود، ومن العصبيّة، وفيا كلّ الوفاء للصّداقات والعلاقات، فلم يُعرَف عنه، في حياته كلّها، أنّه غدر بصديق، أو نقض عهداً،
‎ يؤمن بالحوار، بل يسعى إليه، ويجاهد من أجله، يؤمن كلّ الإيمان بأنّه لن يتحقّق السلام على الأرض، إلا حين تتجاوز مفاهيمه كلّ حدود الزمان والمكان، ومن فضائله، أنّه كان حسّاسا أمام دموع الضّعيف والمظلوم، مناصرا للعدالة، شفوقا رحيما بكلّ البائسين.
‎كان الملك عبد الله يميل إلى البساطة في العيش؛ فقد كان يرى نفسه دائماً بين البسطاء من الناس، لا يعرف الكبر أو التعالي إلى قلبه طريقاً، وكان يتعامل مع الآخرين بكل رحابة صدر، كان ينصت لمحدثّه بكل هدوء، فيوحي له بالاطمئنان. وكان إن تحدّث أوجز، وإن قال فعل. وهذه الخصائص الذاتيّة هي الّتي أهّلته لأن يتحمّل الدور الكبير الذي قام به.
‎عند توليه الملك منع الملك عبدالله رحمه الله تقبيل يده،مؤكدًا أنَّ هذه العادة أمر دخيل على تقاليد المملكة، وقال “إخواني، إن تقبيل اليد أمر دخيل على قيمنا وأخلاقنا، ولا تقبله النفس الحرة الشريفة إلى جانب إنه يؤدي إلى الانحناء، وهو أمر مخالف لشرع الله، والمؤمن لا ينحني لغير الله الواحد الأحد. وأضاف “لذلك أعلن من مكاني هذا عن رفضي القاطع لهذا الأمر، واسأل الجميع أن يعملوا ذلك، ويمتنعوا عن تقبيل اليد، إلا للوالدين براً بهم”، بل إنَّه بعد سماعه لكلمة “مولاي” في إحدى الكلمات التي ألقيت عند استقباله عددًا من الأمراء والعلماء والمشايخ وكبار المسئولين وجموعًا من المواطنين المبايعين له حين توليه الحكم قال “يا إخوان أحب أن أؤكد للجميع أن الجلالة للرب عز وجل، والمولى هو الرب عز وجل لا تقال لأي فرد.
‎وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصا صريحا وشجاعا. قال عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إنه “كان شخصا صريحا ولديه الشجاعة للتعبير عن قناعاته”.
‎وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملكا مجددا وحداثيا أنجز إصلاحات تدريجية لكنها هامة، بما في ذلك منح المزيد من الفرص المفتوحة أمام النساء ولاينسى التاريخ دوره الفاعل في إخراج المبادرة العربية الخاصة بحل القضية الفلسطينية إلى النور في العام2000.
‎عمل الراحل جاهدا لجعل المملكة السعودية أكثر حداثة، وقام بخطوات هامة في سبيل إتاحة الفرص للنساء السعوديات.
‎وكان له دوره الكبير في إرساء علاقات وطيدة مع دول العالم الكبرى، وسعي لاستقرار المنطقة وتميزت مواقفه بالشجاعة.و كان صوتا للتسامح والسلام. وسعى الملك الراحل إلى بناء قوى عاملة ماهرة، كما دعم التعليم عبر بناء الجامعات والتركيز على الابتعاث الخارجي.
‎رأي المراقبون أنه سعى إلى إحداث التوازن وإعمال التفاهمات وحاول الاستجابة لتطلعات شباب المملكة، الذين يشكلون نصف الشعب السعودي، حيث أظهر رغبته الدائمة في إدخال المملكة في عصر الحداثة.
‎وسعى إلى الحفاظ على استقرار بلاده خلال فترة حكمه، وساعده على ذلك توليه مسؤوليات كبيرة منذ شبابه في سن كان فيها أقرانه بعيدين عن عالم السياسة، ما أكسبه حنكة وخبرة لإدارة البلاد.

‎مواقف الملك عبد الله من مصر
‎دون أدنى شك كان الراحل الملك عبد الله كان عونًا وسندًا لمصر بالقول والعمل، ويكفى الرجل أنه ألقى بيانًا تاريخيًا عقب ثورة 30 يونيو، دعا فيه المصريين والعرب والمسلمين إلى التصدى لكل مَنْ يحاول زعزعة أمن مصر، معتبراً أن مَنْ يتدخل فى شئون مصر الداخلية من الخارج “يوقدون الفتنة”.
‎ وأهاب الملك عبدالله بالعرب للوقوف معاً ضد محاولات زعزعة أمن مصر، “وضد كل من يحاول أن يزعزع دولة لها فى تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء”. وأعلن الملك عبد الله صراحة بأن “مصر ستستعيد عافيتها”، مؤكداً أن السعودية “شعباً وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل مَنْ يحاول المساس بشئون مصر الداخلية وعزمها وقوتها وحقها الشرعى لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا فى مصر”.
‎ وعن المواقف الشجاعة ، فى فبراير 2014 أصدرت المملكة قرارًا تاريخيًا وأعلنت جماعة الإخوان كجماعة إرهابية ووضعتها على قائمة الإرهاب، وقامت المملكة أيضًا بتجريم شعار “رابعة”.
‎وعقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية 2014 كان رحمه الله، أول المهنئين للشعب المصرى وللرئيس عبد الفتاح السيسى، وقام بإرسال رسالة أوضح فيها أن المساس بأمن مصر هو مساس بالسعودية.
وناشد كل الأشقاء والأصدقاء فى الابتعاد والنأى بأنفسهم عن شئون مصر الداخلية بأى شكل من الأشكال، وقال: ” إن المساس بمصر يعد مساسًا بالإسلام والعروبة، وهو فى الوقت ذاته مساس بالمملكة العربية السعودية، وهو مبدأ لا نقبل المساومة عليه أو النقاش حوله تحت أى ظرف كان”
‎ ولم تنتهِ المواقف البطولية للعاهل السعودى فى الوقوف إلى جانب الشقيقة مصر وشعبها عند هذا الحد، بل وقف العاهل السعودى بقوة ضد قطر وموقفها الداعم لجماعة الإخوان وإعلامها الذى كان يبث الفتن والأكاذيب ضد الشعب المصرى، وفى خطوة لم تحدث من قبل أعلنت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين فى مارس 2014 سحب سفرائها من الدوحة بعد تدخلها فى الشئون المصرية ووصفها لثورة يونيو بالانقلاب، وكانت تلك الخطوة غير المسبوقة ضد ما تقوم به قطر من تزييف للحقائق وتمسكها بعدم الحيادية فى نقل الأحداث.
‎ وبالنسبة للدعم الاقتصادى، فقد قال وزير المالية السعودى إبراهيم العساف، إن بلاده وافقت على تقديم حزمة مساعدات لـمصر بخمسة مليارات دولار، تشمل مليارين على شكل وديعة نقدية بالبنك المركزى المصرى، ومليارين آخرين على شكل منتجات نفطية وغاز، ومليارًا خامسًا يقدم نقدًا بأمر ملكى من الملك عبد الله. وكان هذا القرار أول دعم اقتصادى لمصر عقب ثورة 30 يونيو، حيث كان القرار فى 7 يوليو 2013، وأدى هذا القرار لإنعاش البورصة المصرية

‎وصية الملك عبد الله للرئيس السيسي
‎كشف الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن وصية العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز له قبل وفاته
‎وقال السيسي خلال لقاء له مع رؤساء الأحزاب المصرية،” إن الملك الراحل أوصاه في أحد اللقاءات التي جمعت بينهما، قائلاً له: “راعي ربنا ودينك في أي حاجة أنت بتعملها”، مضيفاً أنه يشعر بالحزن لفقدان قامة عربية كبيرة مثل الملك عبدالله، معرباً عن امتنانه وامتنان الشعب المصري لكافة الجهود الداعمة لمصر من جانب الملك الراحل والأشقاء السعوديين.
‎وكان السيسي قد التقى العاهل السعودي الراحل مرتين، الأولى عندما زار العاهل السعودي الراحل مصر في 20 يونيو الماضي كأول زعيم عربي يزور مصر عقب مراسم تنصيب السيسي، وجرى اللقاء بينهما في الطائرة، ثم كان اللقاء الثاني في الرياض في أغسطس الماضي، كما زار ‎السيسي الرياض للاطمئنان على صحة الملك الراحل قبيل وفاته.
‎وتخليداً لذكرى الملك الراحل، قرر الرئيس السيسى تأسيس جامعة تحمل اسم الملك عبدالله في منطقة جبل الجلالة بسيناء، على أعلى قمة للجبل (700 متر)، لتكون رمزاً لتعاون الملك الراحل مع مصر وشعبها خلال الفترة الماضية، ووقوفه بنصح وإخلاص إلى جوار الشعب المصري.
‎وكانت آخر كلمات الملك الراحل لشعبه”يعلم الله أنكم في قلبي أحملكم وأستمد من الله قوتي ثم منكم فلا تنسوني من دعواتكم “…وبرحيل الملك عبد الله خيم الحزن على قلوب كثيرة في شتى أرجاء المعموره ومازالت أكف الضراعة ترتفع إلى المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد الكبير بواسع رحمته،لا سيما في مصر التي لن ينسى شعبها ولا قيادتها مواقف الراحل الكريم الشجاعة التي مثلت كل قيم الأخوة والعروبة والاسلام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: