الرابح الأكبر… بقلم- هيام دربك

المتأمل لما يحدث في منطقتنا على مدى عقود طويلة و بالتحديد منذ مطلع الستينات من القرن الماضي و حتى يومنا هذا سوف يجد أن الأمور تسير وفق منظومة و ترتيب دقيق و تخطيط محكم شاركت فيه قوى عديدة … و قد يقول قائل أن هذا الذي ألمح إليه ربما يندرج تحت تأثير نظرية المؤامرة التي يعشق البعض منا ـ نحن العرب ـ اللجوء إليها عند تفسير موقف أو حدث من جهة الغرب نظنه في غير صالحنا …. و لكن المنصف الذي ينظر إلى الأمور بعين العقل و ميزان الحكمة يحللها و يفندها دارسا كل الأحداث التي تواكبها و الشواهد التي تدل عليها دون هوى في نفسه … أو تسرع في حكم قد يصدره متأثرا بما تمليه عليه عاطفته … فإنه سيلاحظ أن ما يحدث خلال عقود طويلة لم يكن أبدا ـ و لا يمكن أن يكون ـ محض صدفة … فجيلنا نشأ وت رعرع على أننا نواجه عدوا صهونيا عنصريا يكرهنا … وي ضمر الشر لنا … و قد تم زرعه في أرضنا ليكون مصدر قلق و ازعاج دائم لنا … ليكون سببا لاستنزاف دائم لقدراتنا .. و ثرواتنا وت حطيم أحلامنا … عدوا ساهم بغباء حكامه و صلفهم و غرورهم في ترسيخ تلك الصورة القاتمة عنه .. فكرهناه … و رفضناه … و قاومناه …. و توارثنا جيلا بعد جيل هذا الشعور ليصبح متغلغلا مستقرا ثابتا في وجداننا … و ساهم هذا العدو الغبي وقتها في تدعيم و تأكيد هذا الانطباع لدينا بممارساته الفجة …. و دمويته اللامعقولة … فكنا نطالع يوميا بالصوت والصورة و الخبر ونشاهد صور الدمار والخراب و القتل الذي تحدثه آلته الحربية الجبارة التي سلحه بها الغرب ضد المدنيين العزل … و كنا نرى و نسمع ون شاهد صورا غاية في البشاعة و اللاآدمية لمذابح دير ياسين … و من بعدها صابرا و شاتيلا … و بحر البقر …. و قطاع غزة … نرى و يرى أبناءنا و أحفادنا كل ذلك ليزداد الرفض و يتصاعد الغضب ضد هذا الكيان الإرهابي المجرم الذي لا يرعى قدسية أديان …. و لا حرية أوطان … و لا مبادىء أو قوانين لحقوق الإنسان …. لا يرحم طفلا أو شيخا كبيرا … أو امرأة ضعيفة …

ثم انقلب الحال وتبدل مع مطلع تسعينيات هذا القرن …. بعد أن انتبه العدو و جميع من يساندونه و يدعمونه إلى فداحة آثار همجيته و بربريته …
فكان التفكير الجهنمي الشيطاني بتغيير سيناريو الأحداث و تحويل الدفة لنصبح نحن العرب و المسلمين قتلة وسافكي دماء ومنتهكي حرمات … فكانت مؤامراتهم الدنيئة بالترويج لما أسموه ب ((الفوضى الخلاقة )) … ثم جملوها و أطلقوا عليها كذبا وافتراءا (( الربيع العربي )) مستهدفين تدمير وحدة كيان الدول العربية …. و ضرب جيوشها و تفكيك قواها وتحويل كل دولة إلى جزر منعزلة منفصلة يحارب كل فصيل منها الآخر …. انقسمنا بفعل فاعل فرقا و أشياعا … و في غفلة وتخاذل منا … أو لنقل الكثيرين منا حتى نكونوا منصفين … فشاهدنا صور القتل و التشريد و الدمار على أيدي من يزعمون بأنهم عربا و مسلمين … و وجدنا بيننا من يكفرون و يقتلون بل ويمثلون بجثث الضحايا من الأبرياء غير مفرقين إن كانوا رجالا أم نساء أم أطفالا … و شاهدنا فقرات هوليودية الإخراج لشباب يحرقون أحياء … و رجالا و نساءا و شيوخا يذبحون بدم بارد مع تدفق دمائهم لتختلط بمياه البحار و الأنهار …في مشاهد بشعة مرعبة و عانينا و ما زلنا نعاني من تفجيرات لسيارات مفخخة … و أحزمة ناسفة ..
و الغريب و العجيب أنهم يفعلون كل ذلك و هم يرددون شعارات و صيحات و عبارات للتأكيد بأنهم مسلمين …. و الإسلام منهم براء …. كل هذا يحدث في تبديل كامل للمشهد … بينما العدو الأصلي الذي كدنا أن ننساه … و هو بالقرب منا جالس منتشي غبطان يراقب ما يدور بالقرب من حدوده المغتصبة منا … و قد توقفت تماما أعماله الإجرامية …. فقد تولى أمرها عنه بالوكالة بعض من ينتسبون إلينا … مع شديد الأسى و الأسف … هذا العدو الذي اغتصب الأرض و سلب الحق … و زرع الفتن … نجده هادئا وديعا آمنا خلف حدوده .. مظهرا للعالم أنه واحة للديمقر اطية …. و رمزا للتقدم و الحضارة … و نموذجا فريدا للأمن والأمان وسط غابة يقطنها العرب الهمجيون الدمويون …!!؟؟ وها هي جامعاته تتصدر … و علمائه الأفذاذ ينشرون إبداعاتهم و نتاج عبقريتهم … و نجح العدو ( الذكي ) في استغلال الموقف تماما لصالحه … فطور منشآته …. و أبحاثه … و دعم آلته الحربية الجبارة بأسلحة فتاكة حديثة … و أخذ يزيد من أعداد ما يمتلكه من رءوس نووية فبعد أن كان عددها مائتين … أصبح العدد الآن يزيد على الثلاثمائة حسب آخر إحصاء … و ظاهر الأمر أنه لا يتدخل في شئون أحد … فهو في هدنة مع الجميع … و لكن المؤكد أنه يراقب عن كثب … ومن الأكيد أن له دورا هاما في كل ما يحدث بالمنطقة من خراب و دمار …
من هنا فهو الرابح الأكبر … و إن لم يكن الأوحد ….. فعلينا أن تستفيق .. و أن ندعم مواقف مصر ودول الخليج التي ما زالت صامدة في مواجهة هذه الهجمة الشرسة رغم ما تتعرض له من مخاطر .. و ما تعانيه من إرهاب أسود يريد أن ينقض ليقضي على آخر المعاقل …. نريد ممن اكتووا بنار الإرهاب أن يستفيقوا قبل فوات الأوان و أن يعودوا إلى جادة الصواب ليعود للعرب أمجادهم … و وحدتهم و قوتهم …. لنثبت للعالم أن الإسلام دين السماحة … و المحبة …. و ليس دين القتل والإرهاب كما يحاول أن يروج المرجفون …… اللهم احفظ بلادنا و سائر بلاد المسلمين …. و حقق الخير لأمتنا و رد عنا كيد الكائدين و مكر الماكرين …

تعليق واحد

  1. مقال رائع يا استاذه هيام

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: