هذه دولة.. لا قبيلة! : بقلم – سليمان جودة

تتابع من أي مكان تكون فيه، وقائع ما جري في قرية الكرم، في المنيا، مؤخراً، فتشعر بأننا لا نزال في زمان ما قبل 25 يناير 2011، ولم نغادره بعد!
فليست هذه هي المرة الأولي، التي تقع فيها مشكلة في المنيا، أو في غيرها، بين مسلم من ناحية، وبين قبطي من ناحية أخري، ولن تكون الأخيرة بحكم طبائع البشر أنفسهم.. ولكننا نريدها الأخيرة، من حيث الطريقة التي نتعامل بها معها!
الجميع تعامل مع ما جري، بمنطق ما قبل 2011، إلا البابا تواضروس الثاني الذي تعامل مع الواقعة ليس فقط بمنطق يتجاوز ما كان، قبل 25 يناير، وإنما بمنطق ينتمي إلي العصر الذي نعيش فيه مع العالم من حولنا.. تعامل معها علي هذا النحو، عندما قال إن القانون في الأمر كله، لابد أن يسبق أي حديث عن أي مصالحة بين الطرفين!
إنني أتحدث عما قبل 25 يناير، قاصداً أننا إذا كنا نعتبرها ثورة، ومن بعدها ثورة 30 يونية 2013، فالثورات في حياة الشعوب خصوصاً الشعوب مثلنا، لا تقوم من أجل أن يتصوروا أثناءها في الميادين، ولا من أجل أن يظلوا يتحدثون عنها، وعن أيامها ووقائعها، كلما جاءت لها سيرة، ولا حتي من أجل أن يقولوا علي سبيل التباهي، إنهم خاضوا غمار ثورتين في أقل من ثلاث سنوات.. لا.. الثورات تقوم ليطرأ تغيير في العقل، وفي الفكر، وفي الحياة، قبل أن يتبدل الأشخاص في شتي المواقع!
وعندما تشهد قرية الكرم في المنيا، ما شهدته، في مايو 2016، فلابد لابد.. أن يكون علاج الأمر فيها وفي غيرها.. من قُرانا، مختلفاً بشكل جذري، عما كانت تشهده قري مماثلة في بلدنا، قبل الثورتين.
فعندما يبحث بعضنا، خلال أحداث الكرم وبعدها، عن «بيت العائلة» الذي يتشكل من رجال دين مسلمين وأقباطاً، وعن دوره المنتظر في الموضوع، فهذا معناه أننا لسنا في كيان اسمه دولة.. قد نكون في أي كيان آخر يضمنا معاً.. ولكنه بالقطع ليس دولة.. لأن الدولة قامت، في الأساس، لتكون حكماً بين أبنائها، وقامت لتطبق القانون.. والقانون وحده، بين الذين يحملون جنسيتها.. فإذا أراد «بيت العائلة» أو غير بيت العائلة أن يكون له دور.. فأهلاً وسهلاً بالطبع.. ولكن بعد أن يكون القانون.. والقانون العادل وحده.. قد جري تطبيقه علي الجميع، ودون استثناء، وبصرف النظر عن ديانته.. إن أي شخص في مثل هذه الحالة هو مواطن وفقط.. ولا شيء غير كونه مواطناً، عليه ما علي غيره، وله ما لسواه!
البابا تواضروس كان رجلاً عصرياً للغاية، وعاقلاً لأبعد حد، حين قال وهو يتصل من النمسا، حيث يوجد، بأسقف المنيا بأن القانون.. والقانون وحده.. لابد أن يسبق المصالحة، لا أن يتبعها!
ولذلك، كنت أتوقع مع غيري، أن يجري تحقيق جاد وشامل في القصة كلها، وأن يقال لنا من جانب المحققين إنها بدأت علي النحو الفلاني، وأنها مضت علي النحو العلاني، وأن فلاناً وعلاناً، وغيرهما، قد أخطأوا خلالها، وأن التحقيق هو الذي أثبت وأشار إلي ما نقوله، وأن هؤلاء الذين أخطأوا سوف يجري تقديمهم إلي العدالة، حتي يعرف أي طرف، في أي قصة مشابهة في المستقبل، أن العدالة سوف تكون في انتظاره، وأن زمن تطييب الخواطر قد ولّي، وأن الذي يتصور أن مصرياً سواه، أقل منه في حقوقه، لمجرد أنه يدين بدين آخر، مخطئ، وواهم!

لو حدث هذا، فلن تتكرر هذه الوقائع السخيفة، وإذا تكررت، فسوف يكون طريق علاجها واضحاً، وسوف يكون الطريق معروفاً لكل أطرافها، ابتداء، وسوف لا نكون في حاجة إلي تسييس ما لا يجوز تسييسه فيها.
إعمال القانون كفيل بحصارها في حدودها، وكفيل بقطع الطريق علي المتاجرة بها، وكفيل بأن يجعلنا نشعر بأننا نقيم في دولة.. لا في قبيلة في القرن الحادي والعشرين.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: