التعاون العسكري.. انكفاء أمريكا لا يعفيها من التزامها بأمن الخليج

تُشكل المنطقة الخليجية نصف احتياطي نفط العالم، وأكثر من ثلث احتياطيه من الغاز الطبيعي، ما يجعل الاقتصاد العالمي عُرضة لعدم الاستقرار؛ إن تعرضت المنطقة الخليجية بوجه خاص لقلق على الصعيد الأمني.

ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والذي يشغل منصب وزير الدفاع أيضاً، أكد هذا المعنى سابقاً بقوله: إن التحديات الأمنية “سواء كان مصدرها أزمات داخلية، أو تطلعات غير مشروعة لبعض دول المنطقة لها تداعيات، ليس على دول المجلس فحسب، وإنما على الأمن والسلام الإقليمي والعالمي”.

كما اعتبر الأمير محمد أن هذا “يجعل مسؤولية أمن الخليج مشتركة بين دول المجلس والمجتمع الدولي، ونخص بالذكر الولايات المتحدة؛ نظراً للترابط الاقتصادي والأمني، والتزامها الدائم بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.

ومع تصاعد الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، وانسحاب أمريكا التدريجي، تحملت دول التعاون الخليجي أعباء حماية حدودها، ومن ثم كان التعاون العسكري الخليجي الأمريكي في طريقه لمنحى تصاعدي، يدفع دول الخليج لتصبح قوة إقليمية قادرة على حماية نفسها من أي اعتداء خارجي.

مراقبون أشاروا إلى أن السعودية، وباقي دول الخليج، بالنسبة لواشنطن تعتبر رمانة الميزان، ومصدر الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن ثم لم تخل التصريحات الأمريكية من التنويه إلى ضرورة تعزيز التعاون العسكري مع دول الخليج، الأمر الذي دفع أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، إلى تأكيد اتخاذ دول المجلس خطوات نحو تعزيز التعاون العسكري بين الطرفين.

ويتنوع التعاون المشترك ليشمل منظومة الدفاع الصاروخي، والأمن البحري، والتسليح، والتدريب العسكري، وأمن الفضاء الإلكتروني، بما يعزز القدرات العسكرية لدول المجلس، ويمكّنها من بناء جاهزية دفاعية تعمل على استقرار المنطقة.

وحرصت دول الخليج على زيادة التدريبات لقواتها الخاصة عبر تمارين مشتركة، سواء على المستوى الثنائي مع واشنطن، أو تمارين مشتركة إثر التدخلات الإيرانية في المنطقة، غير أنها اشترطت على واشنطن توفير الكفاءات التدريبية اللازمة، بالإضافة إلى التعاون في مكافحة الأنشطة البحرية الإيرانية المخالفة، والتصدي لها.

التزام واشنطن بتطوير التعاون العسكري الخليجي المتنوع شدد عليه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، تشاك هيغل، بالقول: إن “الولايات المتحدة ملتزمة ببناء تعاون عسكري أقوى مع شركائنا في الخليج، والشرق الأوسط، نظل ملتزمين بقوة بأمن واستقرار هذه المنطقة وتطورها”، موضحاً أنه تم الاتفاق “على الحاجة لمزيد من التعاون في ثلاثة مجالات؛ كالتكامل في تنسيق الدفاع الصاروخي والجوي، وتكامل الأمن البحري، وتوسيع نطاق التعاون في أمن المعلوماتية”.

وتتنوع مجالات التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، في عدة مجموعات عمل مشتركة، نستعرضها فيما يأتي.

– منظومة الدفاع الصاروخي

لكون إيران تمتلك أكبر مخزون من صواريخ كروز القصيرة والمتوسطة المدى، والصواريخ البالستية في المنطقة، كان الاهتمام الخليجي بالدعوات الأمريكية المتعاقبة؛ بضرورة العمل على توفير نظام الدفاع الصاروخي الإقليمي في الخليج.

وتهدف منظومة الدفاع الجوي إلى تفجير الصواريخ البالستية في الجو قبل وصولها إلى الهدف، وقد صُمم النظام لردع الطائرات، وصواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى قدرة المنظومة على رصد الصواريخ والطائرات عن طريق الرادارات المتطورة، ومن ثم يمكنها تتبع الأهداف، وتدميرها في الجو.

– أمن بحري على غرار درع الجزيرة

ولدرء أي تهديد بحري يحيق بأمن الخليج شرعت دوله في تشكيل قوة بحرية تعمل على صيانة الأمن البحري، بحيث تكون على غرار قوة درع الجزيرة، فتطور الأحداث في المنطقة فرض تكثيف التعاون الأمني، بالإضافة إلى حماية ثرواته الطبيعية، حسبما قال مستشار نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع بوزارة الدفاع الكويتية، اللواء أحمد يوسف الملا.

ويأتي التعزيز الأمني البحري كخطوة استباقية لاحتمال نقل المعركة من البر إلى البحر حال وقوعها، حيث تشكل المعابر البحرية، والممرات المائية شديدة الحيوية، سواء للاقتصاد الخليجي، أو الاقتصاد العالمي؛ أمن الطاقة.

– قوات العمليات الخاصة

منحت دول مجلس التعاون مسؤوليات أوسع لقوات العمليات الخاصة بها، بل منحتها مسؤولية الإجراءات الأمنية الخاصة بحماية منشآت البنية التحتيحة الحيوية، وبما يدعم قدراتها على مواجهة التحديات الإقليمية المحدقة بها.

ولإحراز قوات العمليات الخاصة مهام عديدة بنجاح، فقد اكتسبت ثقة القيادة، وباتت تملك الحق في التدخل السريع حال تهديد الأمن القومي، أو الإقليمي، والتعرض لأي اعتداء خارجي.

وركزت دول التعاون الخليجي على تسليح قواتها الخاصة بمعدات تكتيكية في أقسام الاستخبارات، والمراقبة، وبرامج وأجهزة الاستشعار، وتوفير ناقلات جوية؛ مثل طائرات النقل الجوي C-17، وطائرات Chinook، ومركبات الحماية المقاومة لألغام الكمائن (MRAP) لنقل الجنود.

– الأمن السيبراني الخليجي

والأمن السيبراني عبارة عن مجموع الوسائل التقنية والتنظيمية والإدارية التي يتم استخدامها لمنع الاستخدام غير المصرح به، وسوء الاستغلال، واستعادة المعلومات الإلكترونية، ونظم الاتصالات والمعلومات التي تحتويها؛ وذلك بهدف ضمان توفر واستمرارية عمل نظم المعلومات، وتعزيز حماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المواطنين والمستهلكين من المخاطر في الفضاء السيبراني، ومن ثم فإن الأمن السيبراني ما هو إلا سلاح إستراتيجي بيد الحكومات والأفراد، ولا سيما أن الحرب السيبرانية أصبحت جزءاً من التكتيكات الحديثة في الحروب بين الدول.

ومن ثم فإن دول الخليج تعمل على تعزيز الأمن السيبراني لديها، في ظل ازدياد العمالة الوافدة، بما يدفع نحو خلل في التركيبة السكانية الأصلية في البلاد، بالإضافة لعوامل التطرف والإرهاب، وتأثير عوامل الطائفية، ومشكلات الحدود، والتدخلات في الشؤون الداخلية بها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: