الدكتور. محمد مختار جمعة

أشخاص لا يعرفون الهدم واخرون لا يعرفون البناء : بقلم الدكتور محمد مختار جمعة

شتان بين النقيضين البناء والهدم، وإذا كان ديننا إنما هو دين البناء وعمارة الكون، فإن كل من يأخذك إلى هذا
الطريق، طريق البناء، طريق العمل، طريق الإنتاج، طريق الإتقان، طريق الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة إنما يأخذك إلى طريق الإسلام، إلى طريق الوطنية، إلى طريق الحضارة والرقي، إلى خير المجتمع وخير الإنسانية، ومن يحاول أن يجرك إلى طريق آخر عكس هذا الاتجاه، كأن يجرك أو يسلمك إلى طريق الهدم والتخريب وتدمير المنشآت والبنى التحتية أو الاعتداء عليها أو المساس بها إنما يأخذك إلى طريق الهلاك فى الدنيا والآخرة، يقول الحق سبحانه: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (محمد: 22-24)، ويقول سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» (البقرة: 204-206) .

على أن من يعمل بالبناء فلن يكون لديه فائض وقت أو جهد للهدم أو التخريب، لأنه يدرك طبيعة البناء وما يتطلبه من جهد ومعاناة، وأن البانى لا يمكن أن يكون هدامًا، لأنه صاحب نفس ملأى بالخير والعمار والحضارة والرقي.

أما الهدامون أصحاب النفوس المريضة الذين قصرت بهم همهم عن أن يجاروا أهل الجد والكفاح والتعب والعرق والعمل والإنتاج، فلم يجدوا جبرًا لنقيصتهم وسترا لعورتهم وشفاء لإحساسهم بالنقص سوى حسد الأماجد وانتقاص الأفاضل على حد قول القاضى بن عبدالعزيز الجرجانى فى مقدمة كتابه الوساطة بين المتنبى وخصومه «وأهل النقص رجلان: رجل أتاه التقصير من قبله, وقعد به عن الكمال اختياره, فهو يسهم الفضلاء بطبعه, ويحنو على الفضل بقدر سهمه , وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته, ومؤثّلا فى تركيب فطرته, فاستشعر اليأس من زواله، وقصرت به الهمة عن انتقاله، فلجأ إلى حسد الأفاضل، واستغاث بانتقاص الأماثل، يرى أن أبلغ الأمور فى جبر نقيصته, وستر ما كشفه العجز عن عورته، اجتذابُهم إلى مشاركته, ووسمُهم بمثل سِمَتِه ».

هؤلاء الهدامون خطر داهم على المجتمع، وعلى أمنه الاجتماعى والاقتصادي، يقول الشاعر:

لو كل بان خلفه هادم كفى.. فكيف ببان خلفه ألف هادم

ويقول الآخر:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه.. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

على أن ديننا إنما ينبذ كل ألوان ومعانى الهدم والتخريب، ويدعو إلى البناء وعمارة الكون، وكل ما فيه صالح الإنسانية، يقول سبحانه: «وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» (الأعراف: 56)، ويقول سبحانه: «فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (الأعراف:70) ، مما يتطلب منا جميعًا العمل على نشر ثقافة البناء، والعمل على ترسيخ الإيمان به وأن ما كان للإنسان فلن يخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الناس جميعًا لو سابقوا إنسانا فلن يأخذوا شيئا كتبه الله له ولن يصلوا إليه، ولو دفعوه إلى الأمام جميعًا، فلن يوصلوه إلا إلى شيء كتبه الله له، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ:»، فما أحوجنا إلى تطهير قلوبنا من الحقد والحسد والعمل على تعطيل الآخرين أو تعويق مسيرتهم أو محاولات إفشالهم، فليس كل ذلك ولا شيء منه من الإيمان أو كريم الأخلاق أو القيم الإنسانية النبيلة، إنما على العكس من ذلك كله ، فهو حقد يأكل صاحبه على حد قول أبى تمام:

اصبر على مضض الحسود.. فـإن صبرك قـاتله

فالنار تأكــــل نفسها.. إن لـم تجد ما تأكـــله

فلنصدق النية والعمل لله عز وجل، ثم لوطننا ومجتمعنا، وأبنائنا وأحفادنا وأنفسنا، ذلك أن الواجب الشرعى والوطنى يتطلبان منا جميعًا وحدة الصف وتضافر الجهود لخدمة ديننا ووطننا وقضايانا العادلة، وألا يعوق أحد منا مسيرة الآخر، بل يشد بعضنا أزر بعض، فالعمل العمل، لأنه صمام الأمان، وحذارِ حذارِ من الهدم والتخريب، فهما سبيل الدمار والهلاك فى الدنيا والآخرة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: