الدكتورة - أفراح ملا علي

أسطورة قرطبة – ولادة! بقلم الدكتورة : أفراح ملاعلي

يقول لنا شاعر العصور الوسطى القرطبي لويس دي غونغورا Luis De Gongora : دائما مجيد يا وطني، سواء بالقلم أو بالسيوف، بين هذه الاطلال، لا تستحق ابدا عيني الغائبة النظر الى سورك , ابراجك ، نهرك، أرضك و هضبتك، آه يا وطني! يا زهرة إسبانيا!…

لا نستبعد حب غونغورا لقرطبة و عشقه لها، فمن منا لا يعشق عاصمة العلماء و المفكرين و الشعراء! حتى قيل اذا مات عالم بإشبيلية نقلت كل كتبه الى قرطبة! و اذا مات فنان او عازف في قرطبة نقلت أدوات عزفه الى اشبيلية! أكبر مدينة مؤهولة بالسكان بالعصور الوسطى و الوحيدة المزودة بإضافات ليلية و نظام خاص للصرف الصحي. مدينة التعايش السلمي حيث تعايش اليهود المسلمين و المسيحين بتمازج رائع حصيلتها معمار مدجن ، اسلامي، متفرد على مستوى عالمي، لغة الاعجمية الملقبة بالالخاميدا ، وهي عبارة عن لغة قشتالية مكتوبة بخط عربي! كان يتقنها العبراني و المسلم و المسيحي للأمور التجارية و التعليم و الشعر و غيره! اما العادات و التقاليد العربية فمازالت حتى يومنا هذا، على سبيل المثال القيلولة، و اربع الالاف كلمة اسبانية من أصل عربي على سبيل المثال: الزيت aceite السكر azucar الزيتون aceituna القطن algodon حتى hasta كذا cada المخدة almohada البرقوق albaricoque …

يدخل قرطبة عبد الرحمن الداخل صقر قريش حاكما في 714 ميلاديا بعد هروبه من سيوف العباسيين. و تبدأ النهضة في بلاد الاندلس حتى سقوط الخلافة الاموية في 756 ميلاديا بسبب ظهور الثورات و الخلافات و انتشار الفساد المالي و الميل الشديد للملذات. وهنا تبدأ المرحلة الجديدة الا وهي عصر ملوك الطوائف. بين المآذن الباكية في قرطبة و جامعها ذو الاقواس و الصليب، حيث كان يصلي المسيحين و المسلمين به ، و يتعلم منه كل طالب للعلم حيث كان جامعا و مقرا للعلم. بين زحام التماثيل للشخصيات القرطبية بين الازقة، نتوقف عند واحدة من أهم الشخصيات النسائية و التي أثرت بشكل غير مباشر على سياسة قرطبة و كانت بلا منازع شخصية لن تتكرر.

ولادة بنت المستكفي، الاميرة الاندلسية ابنة الخليفة المستكفي بالله، أسير الشهوات و الملذات. يثور عليه الامويين و أهل قرطبة، فيغادر قرطبة متخفيا بزي امرأة و يقتله بعض مرافقيه في رحلة الفرار معتقدين انه يحمل المال الوفير. ولادة بنت المستكفي ابنة الجارية الاسبانية سكرى. ترث من والدتها بياض البشرة و زرقة العين و الفتنة و الجمال الباهر و لكن المؤرخين لم يجتمعوا على لون شعرها فالبعض قال انها صهباء و البعض ذات شعر كستنائي، أما لوحتها المشهورة في أحد متاحف قرطبة كانت بشعر أسود!

بعد مقتل والدها تجعل ولادة دارها منتدى لشعراء الاندلس و تتحداهم في الشعر و الادب. تمتعت بحرية واسعة حيث كانت تخرج للجامع و تقابل العلماء و الشعراء فأتهمت تارة بالمجون و قيل أنها عفيفة ولكنها ذات شخصية قوية متحررة الفكر. كانت أول امرأة تطرز أشعارها على ملابسها و تتنزه فيها بقرطبة وسط تعجب الناس و ضحك النساء! كشعرها الشهير: أنا والله أصلح للمعالي و أمشي مشيتي و أتيه تيها، أمكن عاشقي من صحن خدي و أعطي قبلتي من يشتهيها! نعم هكذا كانت ولادة، خاطفة قلب الوزير ابن زيدون صاحب النونية الشهيرة أضحى التنائي. و الوزير ابن عبدوس.

عشقت ابن زيدون وصولا الى مرحلة الغيرة القاتلة، ووصفته بشعر: أغار عليك من نفسي و مني و منك و من زمانك و المكان، ولو أني خبأتك في عيوني الى يوم القيامة ما كفاني! يتغزل ابن زيدون بجارية سوداء بديعة الجمال لولادة فتسمعه و تشعر: تركت غصنا مثمرا بجماله و جنحت للغصن الذي لم يثمر! و انهت علاقتها بابن زيدون ولكنها لم تتزوج قط!

بل جرت عليها الدواهي حيث تولت تعليم و تدريب مهجة التياني ابنة بائع تين فقير، و استضافتها ببيتها، فقذفت مهجة ولادة بعد ان تدربت على يدها قائلا : ولادة صرت ولادة من غير بعل… ولكن التاريخ لم يذكر سبب نكران الجميل هذا. تبقى ولادة أميرة في تاريخ الشعر و العشق السرمدي …

دمتم بعشق قرطبي …

@Dr_Afrah_MA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: