الدكتورة - أفراح ملا علي

بمدينة ترويل الأسبانية .. متحدين بالممات .. مفترقين بالحياة! بقلم د. أفراح ملا علي

كل نفس بشرية تتوق لسماع القصص و الاساطير لأنها صفة انسانية عالمية لا تقتصر على فئة معينة او مجتمع معين، كالقصص الشعبية المشبعة بعادات و تقاليد البقعة التي تنتشر فيها كقصص كليلة و دمنة التي لا تقتصر لفئة عمرية بل سردت خصيصا لملك من قبل وزيره النصوح، ألف ليلة و ليلة حاملة الادب العربي الى العالمية، الشاهنامه الفارسية وأساطيرها الرائعة ذات الطابع التاريخي الخ.

ولكن ما سنتطرق له ليست مجرد قصة عابرة بل تسرده لنا الكثير من كتب العصر الثالث عشر ميلادي. قصة حب ازلية واقعية حدثت بالمملكة الاسبانية آن ذاك، في منطقة تدعى ترويل. عن شابان، دييغو و ايزابيل، أراد القدر ان يعشق كل منهم الاخر بالرغم من عدم توافق افكار العائلتين. فواحدة ثرية ذات سلطة والاخرى متوسطة الى فقيرة الدخل.

بالرغم من رفض والد ايزابيل الشاب الا ان الشاب دييغو قرر الالتحاق بالجيوش الاسبانية لكي يصنع ثروة و يستطيع إقناع والد ايزابيل، فأخذ منه عهدا و ميثاقا ان لا يزوج ابنته من أي رجل حتى مرور خمس سنوات.

و بعد مرور هذه الفترة الزمنية و انتهاء مدة العهد يقرر والد ايزابيل تزويجها من الأرستقراطي فرناندو. في يوم زفافها تصدف الاقدار ان دييغو الشاب المتيم يعود الى ارضه و ويفجع بخبر تواجد محبوبته بالكنيسة للزواج مرغمة من فرناندو. فيسرع ليراها و يطلب منها قبلة كدليل قاطع و افساد الزيجة، فترفض خوفا و خشية.

يسقط الشاب المتيم ارضا امام مرئا الجميع و يموت في الحال و تهلع الشابة و تقبله. عند محاولة فصلهم يصدم الجميع بموت الشبان في وقت واحد! قصة واقعية لا نراها الى في قصص الحب والافلام الرومانسية. تم اكتشاف جثة الشابين ما بين سنة 1553 و 1555.

في كنيسة القسيس بطرس في مدينة ترويل و قد تم دفن الجثتين في قبر واحد. بعد الاطلاع على عدة مخطوطات لرجال دين الكنيسة اتضح انهم دفنوا بناء على طلب القساوسة بعد حصول الحادثة بالكنيسة ذاتها احترما و تبجيلا لقلوبهم المحبة .

و في سنة 1950 تم اخراج الجثتين ووضعوا في قبر واحد مصنوع من الرخام و منحوت بتماثيل تجسدهم. و بذلك أصبحت مدينة ترويل محطة مهمة يرتادها الكثير من العشاق و المحبين بل و حتى المقبلين على الزواج، و كأنهم بذلك يطلبون التبريكات من قلوب ترقد بضريح واحد.

ما صدمني عند البحث والغوص في اعماق هذا الحدث التاريخي الا ان بعض العلماء وليس أغلبهم اجمعوا ان ما يشاع بمدينة ترويل ليس الا حكايات واساطير بل و ايضا ومبالغات.

فتواجد جثتين لإمراه و رجل متعانقين لا يدل على صحة القصة، و قد تكون محضا للصدفة. برأيي الشخصي أعتقد ان جميع الحكايات و الاساطير ذات تأسيس لواقع ملموس او حدث يتبلور مع الوقت فيكون قصة جميلة.

هل اصبحنا في زمن لا نؤمن به بأي مشاعر جميلة؟ هل اصبح تجريد المشاعر او حتى عدم الاحساس خصلة فينا؟ وهل عدم تواجد هذه المشاعر بداخلنا يعني انها غير موجودة؟ او اننا أصبحنا نؤمن بالمشاعر السلبية كالحقد الحسد الانانية ولا نستطيع صبرا مع أبسط مشاعر الحياة الا وهي الحب والايثار؟ قلوب خاوية لا تملك القدرة على الحب او احترام مشاعر الاخر واعتبارها ضعف انساني.

التصادم بين فكر الاهل، العادات و التقاليد وبما يريد العقل و المنطق متواجد منذ الازل، و هذه عينة بسيطة في العصور الوسطى ذهب ضحيتها شابان شاعت قصتهم بسبب اسلوب الموت الغريب.

المضحك المبكي اننا نسرد ما حصل منذ عصور ولكن مازالت هناك ارواح معذبة تنتظر تلاشي نظرة مجتمعية خاطئة تعطي نفسها احقية الاختيار بدلا من صاحب الشأن نفسه.

فكم من ارواح معذبة نحتاج لنشعر، نغير و نتغير؟ يقول المثل الاسباني هناك أنواع من الحب تقتل ولا تموت، دمتم بمحبة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: